أليست الحياة شيئًا رائعًا؟ إنها كذلك بالطبع، أود أن أستهل خطابي بتلك الطريقة لأنني أشعر أنني شخص محظوظ للغاية.
أكتب لكم من مكان رائع وهادئ. أنا حالياً في الجهة الغربية من البحر الميت، بإطلالة خلابة على الجبال في الأردن. أتمتع هنا بالسكون والسكينة، وتحت تأثير هذا الشعور أود أن أخبركم المزيد عن مغامرتي. أريد أن أخبركم بصفتي مريض فشل كلوي يخضع لجلسات التنقية منذ أكثر من ثلاث سنوات وكيف يمكن لمريض الكلى أن يعيش حياة كريمة وعامرة بالصحة.
أتذكر جيداً أول يوم خضعت فيه لجلسة تنقية علاجية (غسيل كلوي). كان ذلك في 19 أبريل 2017. ذهبت إلى غرفة الجراحة لوضع قسطرة، وبعد ذلك مباشرة، بدأت في جلسات التنقية الدموية، إستمرت الجلسة لمدة ثلاث ساعات. لم أتحدث عنها كثيرًا في ذلك الوقت، لأنني صراحة كنت في حالة إنكار للمرض. لم يكن من السهل على قبول التجربة، وأتذكر أني قمت بالاتصال بالأصدقاء والعائلة لمعرفة ما إذا كان لدى أي شخص فصيلة دم متوافقة مع فصيلتي. لكن ذهبت المساعي سدى بعد عدم عثوري على شخص مناسب كي يتبرع لي بكليته.
لكن بعد عشرة أيام من الجلسات العلاجية، حصل حدث فارق في حياتي، وُلد ابني، أعظم حب في حياتي، ضممته بين ذراعي المرتعشتين من فرط البهجة، كان وزنه يزيد قليلاً عن 3 كغم. أتذكر ما كنت أشعر به في تلك اللحظة: وقلت لنفسي، "الآن، اخترت العيش من أجلك".
تركت العشرة الأيام الأولى منذ ميلاد إبني أثار مفصلية في حياتي. وفي تلك الأيام استوعبت أمور كثيرة كنت في حاجة ماسة لفهمها. حينها بدأت أهتم بالمرض وعملية التنقية الدموية نفسها. كانت تلك هي اللحظة التي قررت فيها أن المرض لن يكون أقوى مني ، ولهذا السبب أريد أن أشارككم الخطوات الأربع التي اتخذتها للوصول إلى ما أنا عليه اليوم: أسعد من أي وقت مضى.
الخطوة الأولى – تغيير أفكارنا السلبية تجاه المرض
خلص تقريري الطبي أن لدي قصور في وظائف الكلى بنسبة 71.4٪ وكنت في غاية التعب والإرهاق البدني بعد جلسات التنقية العلاجية الأولى، لدرجة أنني كنت أقضي اليوم التالي في النوم أو الراحة. لكني في لحظة ما وجدت نفسي أنظر في المرآة وأشعر بالأسف على نفسي. كان عمري 28 عامًا فقط وكانت تنتابني مشاعر سلبية وأقول لنفسي أني لن أباشر عملي مرة أخرى حيث كنت أقضي معظم وقتي مربوط وموصول بجهاز التنقية الدموية.
غالبًا ما تتبادر إلى أذهاننا في البداية أفكار تتعلق بصورتنا الاجتماعية وكان الهاجس الأول بالنسبة لي هو: كيف سيراني الآخرون الآن؟ هذه هي الكلمات التي تعلق في عقولنا وتجعلنا نشكو من كل شيء مع كل من حولنا. هذه هي الكلمات التي، في لحظة معينة، تجعلنا نعتقد أنه لن يحبنا أحد على الإطلاق. في تلك اللحظة، نفقد السيطرة على القيمة الحقيقية التي لدينا. هذا هو المكان الذي أشعر فيه أن المعركة الأولى تدور رحاها وهي: التغلب على المواقف التي ليست في صالحنا. بدأت الرحلة العلاجية الطويلة بفهم ماهية المرض والعلاج من أجل استيعاب حقيقة أن هذه العملية، أو بالأحرى الجلسات العلاجية هي ما سمحت لي بالبقاء على قيد الحياة.
لا يمكننا أن نكون سعداء حقًا إلا عندما نفهم أن جلسات التنقية الدموية (الغسيل الكلوي) ليس شيئًا سيئًا. على العكس من ذلك تماماً، فنحن محظوظون لوجود مثل تلك الجلسات، والتي تسمح لنا بمواصلة حياتنا مع من نحبهم والإستمرار في فعل الأشياء التي نتمتع بها. بمجرد أن ندرك ذلك، يمكننا إتخاذ الخطوة التالية. الآن، أنا أكثر امتناناً لكل الأشياء الجيدة في حياتي وتوقفت عن تضييع وقتي في الشكوى والأنين.
الخطوة الثانية - التعرف على قدراتنا الحقيقية
ما الذي أجيده؟ ما الذي أحب فعله حقًا؟، كانت تلك الأسئلة التي تلح علي في بداية تلقي جلسات التنقية الدموية (الغسيل الكلوي)، كنت قد فتحت شركة سياحة قبيل تشخيص حالتي في فبراير 2017، ولأول مرة في حياتي، أصبحت أعمل لحسابي الخاص. لم يكن أبدًا أي شيء خططت له، بل مجرد شيء حدث. لقد استثمرت الكثير من المال من أجل عمل شئ أستمتع به حقًا.
لكن بعد فترة وجيزة آتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وبدأت تلقي جلسات التنقية الدموية في بداية العملية سيطرت الشكوك على عقلي بشأن مستقبلي المهني وقلت لنفسي إذا كنت بهذه الدرجة من التعب بعد كل جلسة فهل سأتمكن حقاً من مواصلة عملي. ولم تثمر تلك المخاوف التي انتابتني عن المستقبل سوى المزيد من الأعباء التي أثقلت كاهلي، ورفعت من سقف المطالب التي يستحيل تحقيقها، باختصار، عشت في حالة من عدم الرضا المستمر لأنني لم أكن قادرًا على تحقيق الأهداف التي حددتها لنفسي. لم تكن عملية سهلة، لكنني بدأت أفهم أن أبسط طريقة للمضي قدمًا هي تحديد أهداف واضحة وقابلة للتحقيق.
أولاً، حاولت أن أفهم ما هي مميزاتي المهنية، بعد ذلك، تقبلت فكرة أن تأتي أوقات أشعر فيها بالإحباط والممل والكآبة. لكن للتغلب على تلك المشاعر، تعلمت أن أخفض من سقف توقعاتي عندما علمت، مقدمًا ، أنه سيكون من الصعب علي تحقيق الأهداف الغير واقعية.
منذ تلك اللحظة، تغير كل شيء. قررت أن الأيام التي أتلقى فيها جلساتي العلاجية ستكون أيام عطلتي، وأن الأيام التي لا أخضع فيها لجلسات ستكون "أفضل" أيامي، وعزمت الأمر أن أبذل مجهود مضاعف في الأيام الخالية من الجلسات للتعويض عن الأيام التي "فقدت" بسبب الراحة بعد الجلسات. جعلني هذا أن أشعر أني مفعم بالطاقة الدافعة للعمل وممارسة نشاطاتي اليومية. بعدها ذهبت للعمل وفي عقلي أهداف محددة، كنت أتعامل مع عملائي المحتملين بروح متجددة. النتيجة: ارتفعت المبيعات. بدأت الأهداف التي حددتها لنجاح شركتي تؤتي ثمارها وسار كل شيء على نحو أفضل.
إن السماح لأنفسنا بالتكيف مع الواقع أمر بالغ الأهمية، حتى نتمكن من أن نعيش حياة نكون فيها سعداء وقادرين على التعامل مع كل ما تجلبه الأيام لنا.
الخطوة الثالثة - التركيز على الحاضر
يخطط الكثير منا للمستقبل. هذا أمر طبيعي ومعقول، إلا أننا لا يجب أن ننسى أن حياتنا تحدث الآن أو في الوقت الحالي. لذلك يجب أن ننظر إلى الخطط التي وضعناها من منظور جديد أو متجدد حتى لا نقع فريسة في فخ الفشل. بل يمكن أن يقودنا ذلك، مرة أخرى، إلى حالة الإنكار. إن مداومة التركيز على الحاضر يجعل كل ثانية من كل يوم في غاية الأهمية، وبالتالي نتجنب إضاعة الساعات (والأيام) في حالة ضيق وسخط من أنفسنا وممن حولنا. إذا واصلنا التركيز على الحاضر، وتذكرنا أن الحياة تحدث الآن، فسوف نتذوق فعلاً طعم النجاح والإنتصار عند تحقيق أهدافنا المحددة. وبناءاً عليه سيتسرب لنا الشعور بالسعادة بشكل أكبر وأعمق. الإيمان بقدراتك وبقيمة العمل الجيد الذي تقوم به على المستوى الشخصي والمجتمعي يعطي إحساس أعمق بالحب والصفاء والسكينة، وينطبق ذلك حتى على أبسط الأشياء في حياتنا اليومية.
الخطوة الرابعة - قبول الذات، والفشل، والتعلم من أخطاءنا، والإحساس بالإمتنان دائماً
يتيح لنا قبول الذات رؤية كيف يمكننا البدء من جديد. هذا هو المبدأ الذي تقوم عليه الجلسات العلاجية: إنه إعادة البدء أو التشغيل. يجب تغيير الحياة لتشمل الشيء الذي يسمح لنا بالاستمرار في عيش حياة كريمة نستحقها. إن التخلص من الشعور بالنقص الذي ينبع من مقارنة أنفسنا بأشخاص لا يمرون بنفس التجارب الشاقة التي نمر بها ولا يقضون وقتهم موصولين بأجهزة التنقية هو خطوة في غاية الأهمية لمعاملة أنفسنا بشكل أفضل. الوقوع في شراك هذا الشعور (الإحساس بالنقص) يمكن أن يكون له تأثير في غاية السلبية علينا وعلى من حولنا - سواء في العمل أو مع عائلتنا أو في المواقف اليومية مثل قيادة السيارة في حركة المرور المزدحمة. نظرًا لأن وقت العلاج يستغرق بعضًا أو الكثير من وقت فراغنا، يتعين علينا أن نقتنص الوقت الخالي من الجلسات ونستمتع فيه بالحياة لأقصى درجة ممكنة.
لا مفر من الوقوع في الأخطاء ما دمنا نعيش في تلك الحياة ولكن علينا التعلم من الأخطاء والتطور. لذلك يجب علينا جميعًا الإستفادة القصوى من المساحة المسموحة لنا في تلك الحياة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعلينا رفع سقف القيود المفروضة علينا حتى نصبح أكثر تطوراً ومصدر إلهام للآخرين وقدوة يحتذى بها. هذا أفضل بكثير من الوقوع في براثن التفكير السلبي والإنهزامي وأن من حقنا الشكوى من كل شيء حولنا، فقط لأننا قد نشعر بأننا أقل قيمة من الآخرين. نحن لسنا كذلك!
أن تكون ممتنًا هو أفضل شعور يمكن أن يشعر به أي شخص. للأشياء البسيطة، وكذلك للأشياء التي كان من الصعب الحصول عليها والتي تتطلب منا القتال. بكوننا ممتنين، نقول لأنفسنا: أنا فائز ولن يكون هذا المرض من يملي لي حياتي.
هذا ما أشعر به الآن: أنا فائز. هل تريد أن تكون فائزًا معي؟